عاجل

  • الرئيسية
  • تقارير
  • "الإدارية العليا" توكد: من حق المحتجزين بالأقسام في إجراء مكالمة مجانية لمحاميهم

"الإدارية العليا" توكد: من حق المحتجزين بالأقسام في إجراء مكالمة مجانية لمحاميهم

قضت المحكمة الإدارية العليا الدائرة الأولى فحص برئاسة المستشار أحمد الشاذلى، بإجماع الآراء برفض الطعن المقام من وزارة الداخلية ضد مدير المجلس العربى لدعم المحاكمة العادلة وحقوق الإنسان وبإلغاء قرار الداخلية السلبى بالامتناع عن إجراء مكالمة مجانية للمحجوزين بأقسام الشرطة بمحاميهم وذويهم وألزمت الداخلية المصروفات.

وأكدت المحكمة - في أسباب حكمها، برئاسة المستشار أحمد الشاذلى، وعضوية المستشارين الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجى، ومبروك حجاج - على ستة مبادئ مستجدة في الحق للمحتجزين في الاتصال بذويهم ومحاميهم.

أولها أنه من حق المحتجزين بأقسام الشرطة إجراء مكالمة مجانية بمحاميهم وذويهم دستوريًا وقانونيًا وإنسانيًا، وثانيها أن الحق في الاتصال حق دولى ويجب إجراء التعديلات على التشريعات الوطنية لتتوافق مع اتفاقيات حقوق الإنسان. 

وثالثها أن من ينفذ التزامه الدستورى لا يجرح كبرياءه بل يؤسس لنظام ديمقراطى يعلى من شأن الفرد وكرامته وحقوقه، وهو في عمق الزمان أفضل إنجاز لكل من يوسد أمر البلاد.

ورابعها أنه في علم النفس القضائى يتعين ألا تكون بين النصوص القانونية والواقع المحيط بها مسافات وتجاوزات، وخامسها أنه إذا كان داء الثورات هو بعض من يخرج عليها فإن دوائها التمسك بمبادئها، وسادسها أن منصة القضاء العالية تنحنى لقول الشعب المسطر في الوثيقة الدستورية وهو القول الفصل الذي يقصُر أمامه أي اجتهاد أو اتجاه سياسي. 

وقالت المحكمة إن الدستور قد أعلى من قدر الحرية الشخصية لكل مواطن، وجعلها من الحقوق الطبيعية التي لا يجوز المساس بها إلا في أضيق الحدود، حيث لم يجز القبض على أي شخص ولا تفتيشه ولا حبسه ولا منعه من التنقل ولا تقييد حريته بأى قيد إلا في حالة التلبس بارتكاب جريمة، أو بأمر قضائي مسبب يستلزمه التحقيق في إحدى الجرائم، وحتى في هاتين الحالتين كفل الدستور لمن تقيد حريته العديد من الضمانات التي تحفظ له كرامته، ومنها عدم جواز التحقيق معه إلا في حضور محاميه فإذا لم يكن له محام فإن هناك التزام دستوري على الدولة بأن تندب له محام للحضور معه. 

وهو ما أكد عليه كذلك قانون الإجراءات الجنائية حيث أتاح الفرصة لكل من يقبض عليه أو يحبس احتياطيًا بأن يتصل بمن يري إبلاغه بما حل به ووقع عليه، والاستعانة بمحام للدفاع عنه، وأتاح له في جميع الأحوال، وأيًا كانت ظروف التحقيق، الاتصال بمحاميه دون حضور أحد.

وأضافت المحكمة أن المشرع لم يشترط أن يتم هذا الاتصال بوسيلة معينة أو محددة، وإنما أجاز أن يتم ذلك بصفة عامة بكافة وسائل الاتصال المتاحة دون أن يقصرها على وسيلة دون غيرها، وإذا كان الدستور والقانون قد كفلا هذا الحق المتفرع عن الحق في الدفاع، الذي يعد من الحقوق والحريات العامة.

فضلًا عن أن لذوى كل من يقبض عليه أو يعتقل دون علمهم الحق في معرفة مكان من يقبض عليه أو يعتقل من أبنائهم حتى يطمئن بالهم عليهم ولا يتركوا في جهالة من أمر أبنائهم، حتى يمكنهم متابعة أمورهم وتوفير المحامين الذين يباشرون الحضور عن المعتقلين أو المقبوض عليهم أمام جهات الشرطة وأمام النيابة العامة. 

وتابعت ولا ريب أن وسيلة الاتصال التليفونى غدت في العصر الراهن هي أيسر وأسهل وسائل الاتصال ويتعين تيسيرهما وتمكين المعتقلين أو المقبوض عليهم من هذه الوسيلة، ومما لا شك فيه أن وضع هذا الحق موضع التنفيذ يستلزم تدخل الجهات التي يتم احتجاز المواطن بها، ومنها وزارة الداخلية، باستصدار قرار تمكن بمقاضاة المحتجزين لديها من الاتصال هاتفيًا بذويهم أو أحد محاميهم فور احتجازهم على نحو يغدو معه امتناعها عن إصدار هذا القرار مخالفًا للقانون.

وذكرت المحكمة أن ثمة رابطة قوية لا تنفصم بين حقوق الإنسان والأمن، بحيث أن احترام سيادة القانون واحترام حقوق الإنسان يعدّان توأمين في سبيل مكافحة الجريمة ومواجهة الخارجين عن أحكامه لتوفير الأمن والاستقرار، لذا فقبضة يد الأمن يجب أن تتحلى بسوار من سياج حقوق الإنسان ذلك أنه وحتى ترتدى مصر ثوب الاستقرار ومحاربة الخارجين على القانون يجب أن ترعى في ذات الوقت حقوق الإنسان، فيجب التوفيق بين متطلبات الدفاع عن المجتمع وحماية حقوق الأفراد. 

فإذا كان الخارجون عن القانون يعتقدون أن كل شيء مباح في سبيل مآربهم، فإن مواجهتم يجب أن لا تعتنق هذا المبدأ، فحقوق الإنسان مصانة لا يجوز المساس بها تحت أي طائل، فلا يجب أن يتم مقايضة حرية المواطنين مقابل الأمن. 

وشددت على أنه لا يجب أن يتنافس الأمن مع الحرية كى تضعف إحداهما لتعزيز الأخرى، لأن احترام حقوق اﻹنسان وحرياته اﻷساسية بما يؤدى إليه من سيادة القانون هو الطريق الاَمن إلى مكافحة اﻹرهاب ومحاصرته واقتلاع جذوره، ذلك أنه وإن كان مثل هؤلاء لا يدينون ولا يخضعون لمساءلة أحد، فإنه يجب ألا يتم اغفال المسئولية أمام المواطنين وعدم المساس أبدًا بحقوق اﻹنسان. والقول بغير ذلك قد ييسر للخارجين عن القانون بلوغ أحد من مراميهم، فتحقيق التنمية واﻷمن وحقوق اﻹنسان للجميع.

وأوضحت المحكمة أنه بالنظر لما استقر المجتمع الدولى على أن الحق في الاتصال إثر الاعتقال أو الاحتجاز من ضمانات الحق في الدفاع الفعال فيحق لكل شخص متهم أن يتصل بحرية وعلى انفراد بمحاميه وذويه لإخبارهم بما وقع فيه على نحو يجعل الامتناع عن تمكينه من ذلك الاتصال يجافى ويتصادم مع نصوص ومبادئ دستورية راسخة فإنه يلزم الإشارة بادئ ذى بدء إلى حقيقة دستورية أثرت في النظام القانونى المصرى بعامة وفى مجال الحقوق والحريات العامة بخاصة.

وتتمثل في قيام ثورة شعبية - في الخامس والعشرين من يناير والثلاثين من يونيو - نعتها الدستور السارى في ديباجته بأنها فريدة بين الثورات الكبرى في تاريخ الإنسانية بكثافة المشاركة الشعبية التي قدرت بالملايين وبدور بارز لشباب متطلع لمستقبل مشرق، وهذا التوجيه الدستورى الصادر عن الشعب مصدر السلطات يغدو كل قول يخالفه أمر باطل واقعًا واعتداء على أحكام الدستور الحاكم الذي ارتضاه الشعب عبر استفتاء عام ورقابة شعبية وقضائية.

وإذا كان ما تقدم هو حقيقة واقعة لا تقبل إثبات عكسها فإن ثمة التزام على كافه سلطات الدولة التنفيذية والتشريعية بما تقترحه أو تصدره من تشريعات، والقضائية بما تراه من مخالفة لأحكام الدستور والقانون أن تراعى دومًا فيما يعرض عليها من أنزعة الأوامر والمبادئ الدستورية والقانونية وهو الموسد له إعلاؤها بحسبان مجلس الدولة الحارس الأمين والمؤتمن المكين على حماية حقوق وحريات الأفراد.

وأشارت المحكمة إلى أنه يغدو من نافلة القول الذي لا يُأبه به نسبة أي نقائص إلى ثورات الشعب فالثورات الشعبية عبر التاريخ لا تدمر الشعوب وانما تجدد نشاطها ولا يقاس أثر الثورات ببعض أخطاء أو حتى خطايا تنسب إلى بعض من قام بها بحسبان أن الشعوب لا تخطئ في التعبير عن إرادتها. 

وإذا كان داء الثورات هو بعض من يخرج عليها فإن دوائها التمسك بمبادئها، ولا خلاف على أن ثورة الشعب المصرى لم تكن ثورة مؤسسة أو جماعة أو تنظيم وإنما سيسجلها التاريخ على أنها نداء الشعب إلى أبنائه للثورة على نظام جسم على مقدراته عقودًا عدة والمحكمة في هذا الصدد تتحفظ على ما ينسبه البعض من ثمة مثالب لثورة الخامس والعشرين من يناير، وما ذلك إلا انحناء من منصة القضاء العالية لقول الشعب المسطر في الوثيقة الدستورية وهو القول الفصل الذي يقصُر أمامه أي اجتهاد أو اتجاه سياسي، ويبقى ساريًا ومقدرًا ومحترمًا إلى أن يرى فيه الشعب قولًا آخر.