عاجل

المادة 219 .. وأحكام المحكمة الدستورية

إن المتابع لجلسة التصويت على ديباجة الدستور يجد أن رئيس اللجنة قد ذكر ما يلي ( ..... نكتب دستورا يؤكد أن مبادئ الشريعة الإسﻻمية المصدر الرئيسي للتشريع وأن المرجع في تفسيرها هو ما تضمنه مجموع أحكام المحكمة الدستورية العليا في هذا الشأن ) فماذا يعني ذلك وماعﻻقته بالمادة (219 ) وهل أحكام المحكمة الدستورية العليا تغني عن المادة ( 219 ) وتحقق المقصود ؟ قال رئيس اللجنة عند قرائته للديباجة .... أحكام المحكمة الدستورية الرابعة والتاسعة والسابعة عشر والثامنة عشر ... وهذه أربعة أحكام للمحكمة الدستورية العليا 1- دعوى رقم 47 لسنة 4 قضائية بتاريخ 21 ديسمبر 1985 م 2- قضية رقم 6 لسنة 9 قضائية بتاريخ 18 مارس 1995 م 3- قضية رقم 8 لسنة 17 قضائية بتاريخ 16 مايو 1996م 4- قضية رقم 116 لسنة 18 قضائية بتاريخ 2 أغسطس 1997م ولننظر معا في هذه الأحكام : الحكم الأول : دعوى رقم 47 لسنة 4 قضائية 1985 م ، تعرضت المحكمة الدستورية العليا للمادة الثانية من الدستور بعد تعديله في حكمها الخاص بمدى دستورية الفوائد الربوية حيث جاء في حكمها ما يلي : " .... وحيث أنه يبين من صيغة العبارة الأخيرة من المادة الثانية من الدستور - بعد تعديلها على نحو ما سلف - أن المشرع الدستوري أتي بقيد على السلطة المختصة بالتشريع قوامه إلزام هذه السلطة - وهي بصدد وضع التشريعات - بالالتجاء إلى مبادئ الشريعة ﻻستمداد الأحكام المنظمة للمجتمع ، وهو ما أشارت إليه اللجنة الخاصة بالإعداد لتعديل الدستور في تقريرها إلى مجلس الشعب والذي أقره المجلس بجلسة 19 يولية سنة 1979 ، وأكدته اللجنة التي أعدت مشروع التعديل وقدمته إلى المجلس فناقشه ووافق عليه بجلسة 30 إبريل سنة 1980 ، إذ جاء في تقريرها عن مقاصد تعديل الدستور بالنسبة للعبارة الأخيرة من المادة الثانية بأنها : " تلزم المشرع بالالتجاء إلى أحكام الشريعة الإسﻻمية ، للبحث عن بغيته فيها ، مع إلزامه بعدم الالتجاء إلى غيرها ، فإذا لم يجد في الشريعة الإسﻻمية حكما صريحا ، فإن وسائل استنباط الأحكام من المصادر الاجتهادية في الشريعة الإسﻻمية تمكن المشرع من التوصل إلى الأحكام الﻻزمة والتي ﻻتخالف الأصول والمبادئ العامة للشريعة ..... " ثم استمرت المحكمة في كﻻمها إلى أن قالت : ...... ويؤيد هذا النظر ما أورته اللجنة العامة في مجلس الشعب بتقريرها المقدم بجلسة 15 سبتمبر سنة 1981 والذي وافق عليه المجلس من إنه " كان دستور سنة 1971 أول دستور في تاريخنا الحديث ينص صراحة على أن الشريعة الأسﻻمية مصدر رئيسي للتشريع ، ثم عدل الدستور عام 1980 لتكون الشريعة الإسﻻمية هي المصدر الرئيسي للتشريع ، وهذا يعني عدم جواز إصدار أي تشريع في المستقبل يخالف أحكام الشربعة الإسﻻمية ، كما يعني ضرورة إعادة النظر في القوانين القائمة قبل العمل بدستور سنة 1971 وتعديلها بما يجعلها متفقة مع أحكام الشريعة الإسﻻمية ، واستطرد تقرير اللجنة إلى أن " الانتقال من النظام القانوني القائم حاليا في مصر وابذي يرجع إلى أكثر من مائة سنة إلى النظام الإسﻻمي المتكامل يقتضي الإناه والتدقيق العملي ، ومن هنا فإن تقنين المتغيرات الإقتصادية والإجتماعية التي لم تكن مألوفة أو معروفة وكذلك ما جد في عالمنا المعاصر وما يقتضيه الوجود في المجتمع الدولي من صﻻت وعﻻقات ومعامﻻت ، كل ذلك يستأهل الروية ويتطلب جهودا ، ومن ثم فإن تغيير النظام القانوني جميعه ينبغي أن يتاح لواضعيه والقائمين عليه الفترة الزمنية المناسبة حتى تجمع هذه القوانين متكاملة في إطار القرآن والسنة وأحكام المجتهدين من الأئمة والعلماء " قلت : يتضح مما سبق أن المحكمة الدستورية ساوت بين المبادئ والأحكام ولم تفرق بينهما . فتح باب الاجتهاد للمشرع للتوصل إلى الاحكام اللازمة والتي لا تخالف الأصول والمبادئ العامة للشريعة ( وسيأتي بيان ذلك في الحكم الثالث قريبا ) الحكم الثاني : قضية رقم 6 لسنة 9 قضائية المحكمة الدستورية العليا ( دستورية ) بتاريخ 18 مارس 1995 م حيث تعرضت المحكمة الدستورية العليا للمادة الثانية في حكمها الخاص بمدي دستورية استمرار عقد إيجار المسكن للأقرباء بالمصاهرة عند ترك المستأجر الأصلي له . حيث جاء في حكمها : ........ إن المدعين ينعون على النص المطعون فيه في النطاق المتقدم مخالفته لحكم المادة الثانية من الدستور التي تقضي بأن مبادئ الشريعة الإسﻻمية هي المصدر الرئيسي للتشريع وذلك من عدة وجوه : أوﻻ : أن الشريعة الإسﻻمية وإن حثت على صلة الرحم إﻻ أنها ﻻتعتبر أقارب أحد الزوجين أقرباء لﻵخر ومن ثم يكون اعتداد النص المطعون عليه بقرابة المصاهرة مخالفا للدستور . ثانيا : إن إجماع فقهاء الشريعة الإسﻻمية منعقد على أن عقد الإيجار يبنصب على استئجار منفعة لمدة مؤقتة يحق للمؤجر بانتهائها أن يطلب إخﻻء العين من مستأجرها بمامؤداه امتناع تأبيد هذا العقد . قلت : وفي هذا دليل أن الإجماع من المبادئ التي ﻻ تجوز مخالفتها وإﻻ حكم بعدم دستورية القانون الذي خالفه . الحكم الثالث : قضية رقم 8 لسنة 17 قضائية المحكمة الدستورية العليا ( دستورية ) جلسة 16 مايو 1996م حيث تعرضت المحكمة الدستورية العليا للمادة الثانية في حكمها الخاص بحظر النقاب في المدارس وجاء فيه : ...... وحيث أن قضاء المحكمة الدستورية العليا مطرد على أن ما نص عليه الدستور في مادته الثانية - بعد تعديلها في سنة 1980 - من أن مبادئ الشريعة الإسﻻمية هي المصدر الرئيسي للتشريع ، إنما يتمحض عن قيد يجب على كل من السلطتين التشريعية والتنفيذية أن تتحراه وتنزل عليه في تشريعاتها الصادرة بعد هذا التعديل - ومن بينها أحكام القرار رقم 113 لسنة 1994 ، المفسر بالقرار رقم 208 لسنة 1994المطعون عليهما - فﻻ يجوز لنص تشريعي أن يناقض الأحكام الشريعة القطعية في ثبوتها ودﻻلتها ، باعتبارأن هذه الأحكام وحدها هي التي يكون الاجتهاد فيها ممتنعا ، ﻷنها تمثل من الشريعة الإسﻻمية مبادئها الكلية وأصولها الثابتة التي ﻻ تحتمل تأويﻻ أو تبديﻻ ، ومن غير المتصور بالتالي أن يتغير مفهومها تبعا لتغير الزمان والمكان ، إذ هي عصية على التعديل ، وﻻ يجوز الخروج عليها ، أو الالتواء بها عن معناها ، وتنصب وﻻية المحكمة الدستورية العليا في شأنها على مراقبة التقيد بها ، وتغليبها على كل قاعدة قانونية تعارضها ، ذلك أن المادة الثانية من الدستور تقدم على هذه القواعد أحكام الشريعة الإسﻻمية في أصولها ومبادئها الكلية ، إذ هي إطارها العام ، وركائزها الأصلية التي تفرض متطلباتها دوما بما يحول دون إقرار أية قاعدة قانونية على خﻻفها ، وإﻻ أعتبر ذلك تشهيا وإنكارا لما علم من الدين بالضرورة ، وﻻ كذلك الأحكام الظنية غير المقطوع بثبوتها أو بدﻻلتها أو بهما معا ، ذلك أن دائرة الإجتهاد تنحصر فيها وﻻ تمتد لسواها ، وهي بطبيعتها متطورة تتغير بتغير الزمان والمكان ، لضمان مرونتها وحيويتها ، ولمواجهة النوازل على اختﻻفها ، تنظيما لشئون العباد بما يكفل مصالحهم المعتبرة شرعا ، وﻻ يعطل بالتالي حركتهم في الحياة ، على أن يكون الاجتهاد دوما واقعا في إطار الأصول الكلية للشريعة بما ﻻيجاوزها ، ملتزما ضوابطها الثابتة ، متحريا مناهج الاستدﻻل على الأحكام العملية ، والقواعد الضابطة لفروعها ، كافﻻ صون المقاصد العامة للشريعة لما تقوم عليه من حفاظ على الدين والنفس والعقل والعرض والمال . قلت : وفي هذا الحكم فوائد أهمها : 1-يلاحظ علي هذا النص أنه أدخل بظاهره فيما يقبل الاجتهاد الآيات ظنية الدلالة لغة والتي عقد عليها الإجماع علي أحد معانيها فهذه لا يجوز الاجتهاد فيها وكذلك الأحاديث الصحيحة المتلقاه بالقبول الذي انعقد الاجماع علي ما تضمنتها فهي لا يجوز مخالفتها وكذلك ما ثبت فيه الاجماع، ولكن مع ضم هذا الحكم مع حكم سنة 85 الذي ينص علي عدم مخالفة الأحكام الصريحة يزول الإشكال 2- ذكر ضوابط الاجتهاد وهذا أمر جيد . 3- هذا الحكم مع حكم سنة 85 أوضح دخول الضوابط الاجتهادية في مبادئ الشريعة مع تفصيله بضوابط الاجتهاد, وبالتالي لا يجوز للمشرع تجاوز ضوابط الاجتهاد ومن ضمنها الالتزام بمسائل الاجماع والتي درجت أحكام المجمكة الدستورية علي الإقرار بالإجماع كحجة ملزمة وهذا الذي دلت عليه أجكام 85، 97. الحكم الرابع :- قضية رقم 116 لسنة 18 قضائية المحكمة الدستورية العليا ( دستورية ) جلسة 2 أغسطس 1997م حيث تعرضت المحكمة الدستورية العليا للمادة الثانية من الدستور في حكمها الخاص بعدم دستورية المادة 29 من القانون رقم 49 لسنة 1977 وذلك في شأن تأجير وبيع الأماكن وتنظيم العﻻقة بين المالك والمستأجر ، وذلك فيما تضمنه من سريان عقد الإيجار على أقارب المستأجر نسبا حتى الدرجة الثالثة .، وجاء فيه : ( ... وحيث أن المدعين ينعون على النص المطعون فيه - في النطاق المتقدم - مخالفته المادة الثانية من الدستور تأسيسا على أن فقهاء الشريعة الإسﻻمية مجمعون على أن عقد الإيجار ﻻيكون إﻻ موقوتا فﻻ يتأبد وﻻ يجوز بالتالي حمل المؤجر على تأجير العين بعد انتهاء مجة إجارتها ....... إلخ قلت : في هذا دليل على أن الإجماع من المبادئ التي ﻻتجوز مخالفتها وإذا حدثت مخالفته حكم بعدم دستورية القانون الذي خالفه ، وفي هذا دليل على حجية الإجماع وأنه من المبادئ الخﻻصة : أن هذه الاحكام الأربعة والتي ذكرها رئيس اللجنة وتم ضمها إلى مضابط الجلسة الختامية - قد تضمنت مايلي : عدم التفريق بين المبادئ والأحكام امتناع الاجتهاد في قطعي الثبوت والدﻻلة فتح باب الاجتهاد بضوابطه فيما عدا قطعي الثبوت والدﻻلة حجية الإجماع وأنه من مبادئ الشريعة الإسﻻمية قلت وكل ذلك مجتمعا لم يكن موجودا في المادة ( 219 ) والتي أتت بالمشتمﻻت ولم تذكر حدودا واضحة للمشرع ﻻبد أن يتقيد بها عند خوضه في أي قضية من القضايا الشرعية كما جاء في مجموع أحكام المحكمة الدستورية ملحوظة : قد تم بحمد الله ضم ثﻻثة أحكام أخرى للمحكمة الدستورية إلى مضابط الجلسة وهي : قضية رقم 140 لسنة 4 قضائية ( دستورية ) جلسة 4 أبريل 1987م قضية رقم 19 لسنة 21 قضائية ( دستورية ) قضية رقم 297 لسنة 25 قضائية ( دستورية ) وعلى الله قصد السبيل