عاجل

  • الرئيسية
  • تقارير
  • القمة العربية الخامسة والعشرون .. محاولات احياء التضامن ولملمة الأشلاء

القمة العربية الخامسة والعشرون .. محاولات احياء التضامن ولملمة الأشلاء

تعقد القمة العربية دورتها الخامسة والعشرين في الكويت يومي ٢٥ و ٢٦ مارس الجاري ، تحت شعار " قمة التضامن لمستقبل أفضل " بمشاركة ١٣ رئيس دولة ، الى جانب أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح ، الذي تترأس بلاده هذه الدورة في ظل أجواء بالغة التعقيد يشهدها العالم العربي وحالة انقسام وتشتت لم يشهدها من قبل . ولعل اختيار هذا الشعار في هذه الفترة يعزز ضرورة توحيد الجهود والنظر الى مستقبل العمل العربي المشترك باعتباره أصبح ضرورة تحتمها الظروف الاقليمية والدولية والتحديات التي تواجه دول المنطقة . والمؤكد أن جامعة الدول العربية تعيش أصعب فتراتها على الاطلاق بسبب تردي الأوضاع العربية ، ولن يكون بمقدورها - بامكاناتها الحالية - وفي ظل تلك الأجواء المشحونة والمناخات الغائمة ان تلملم أشلاء العلاقات العربية المبعثرة ولا أن تجمع الشمل العربي بسهولة اذا لم تكن هناك رغبة صادقة لدى هذه الدول بعيدا عن لغة المجاملات أو العبارات الانشائية . والمثير للدهشة أنه في ظل تلك الأجواء القاتمة أن مايجب أن يجمع الدول العربية أكثر مما يفرقها ، والقواسم والروابط المشتركة بينها ينبغي أن تكون دافعا لاحياء التضامن والعودة الى جمع الشمل للانطلاق الى مستقبل لايحتمل أن يعيش فيه المواطن العربي منعزلا عما يجري حوله ، ويجب أن تعمل الدورة القادمة للقمة مجددا على إحياء المشروعات العربية المؤجلة والتي يمكن أن تساعد انطلاقتها على بعث التفاؤل لدى المواطن العربي . وبنظرة على ماشهده العالم العربي خلال الأعوام الماضية ومايجري فيه الان يتضح أن استهداف المنطقة لن يتوقف ، وأن حجم المؤامرة كبير ، ويقع على دولها وجامعتها العربية مسئولية لملمة شتات هذا التبعثر ووقف الانقسامات وتحديد أهداف واضحة وأجندة محددة للانطلاق من خلالها لتحقيق تطلعات الشعوب العربية التي أرهقها على مدى عقود مايحدث داخل أوطانها . ولعل انعقاد القمة الحالية في الكويت يعيد الى الأذهان التذكير بأن التصدع في العلاقات العربية العربية بلغ أوجه بسبب غزو الرئيس العراقي السابق صدام حسين لدولة الكويت في أغسطس من العام ١٩٩٠ ، وإجتياح قواته لهذا البلد العربي على الرغم من عضويتها بالجامعة العربية وتمتعها بالاستقلال ، وماترتب على هذا الغزو من تراجع مفهوم التضامن العربي ومعاهدة الدفاع العربي المشترك الى محاولة حلحلة الأزمة التي ترتبت على هذا الغزو بسبب انقسام الدول العربية والشارع العربي حول هذا الغزو ومشروعيته ، وبعد ذلك توالت الكوارث على العالم العربي بدءا من غزو العراق مرورا بتشتيت القضية الفلسطينية والحرب على لبنان في ٢٠٠٦ ، ، وانتهاء بما تشهده دول الربيع العربي ومايحدث في سوريا ولبنان الان بما يهددهما معا بمحاولات التقسيم على أسس مذهبية وعرقية . واذا كانت سلسلة الكوارث العربية المعاصرة بدأت مع غزو العراق للكويت خلال العام ١٩٩٠ الا أن جامعة الدول العربية التي تضم في عضويتها ٢٢ دولة عربية ، وهي أقدم منظمة إقليمية وتجتمع بشكل دوري سنوي على مستوى القادة منذ تسعينيات القرن الماضي لم تنجح حتى الان في لملمة شتات العالم العربي ولم تنجح في حل القضايا الجوهرية للوطن العربي . والمؤكد أن الدول العربية الاعضاء في الجامعة العربية البالغ عددها ٢٢ دولة أصبحت في ظل تلك المناخات لاتعاني حالة انقسام فيما بينها فحسب بل تواجه تحديات وأزمات أهمها التفتت والانقسام داخل الدولة الواحدة ، بداية من السودان الذي انقسم الى دولتين شمال وجنوب ويواجه محاولات أخرى للتقسيم شرقا وغربا ، والعراق الذي تم تقسيمه بشكل فعلي الى اقليم حكم ذاتي في الشمال للأكراد شمل مناطق اربيل والموصل والسليمانية وحكومة مركزية في بغداد تواجه تحديات التقسيم في البصرة بالجنوب ، مرورا بليبيا التي تواجه محاولات التقسيم شرقا وغربا وجنوبا وشمالا بدأت بمحاولات انفصال اقليم برقة وبنغازي شرقا وسيطرة بعض الجماعات والقبائل على مناطق النفط بل وبيع هذا النفط الى شركات ودول بعيدا عن سيطرة الدولة الليبية . وتواجه سوريا محاولات شبيهة للتقسيم الى دول طائفية سنية وعلوية وشيعية ومسيحية وتركمانية ودرزية وكردية تتنازعها العديد من القوى الاقليمية والدولية التي تدعم كل منها احدى هذه العرقيات وتمدها بالاموال والرجال والسلاح للقتال تحقيقا في النهاية لهذا الهدف غير المعلن والمستتر وراء قناع الثورة ضد الظلم والاستبداد الذي يمثله النظام الحاكم والمسيطر على زمام الامور منذ ستينيات القرن الماضي وشهد اول حالة توريث للجمهورية في المنطقة العربية . ويتمثل التحدي الثاني الذي تواجهه القمة العربية الموقف من دولة قطر التي تحولت الى " بؤرة صديدية " داخل الجسد العربي منذ فترة طويلة رغم تعاقب الأنظمة الحاكمة عليها ، حيث بدا منذ أواخر القرن الماضي أن قطر تسلك نهجا لايتفق مع قدراتها وامكاناتها ، واستطاعت خلال فترة قصيرة أن تكون لاعبا رئيسيا في المنطقة تحرك سياساتها وتؤدي أدوارا للوساطة بين هذا الطرف أو ذاك ، بدءا من تدخلها في الأزمة العراقية ومحاولات وزير خارجيتها السابق لعب دور رفضه الرئيس العراقي السابق صدام حسين ، مرورا بالتدخل في الازمة السودانية ومحاولات جمع أطرافها في الدوحة ، وتدخلها في الأزمة اللبنانية بين قوى الأغلبية والمعارضة في العام ٢٠٠٨ واستضافتها للأقطاب اللبنانيين والتوصل الى اتفاق انهى الأزمة في ذلك التاريخ ، ومحاولة حل الازمة الفلسطينية باستضافة أطرافها في الدوحة ، انتهاء بالتدخل في الآزمة السورية ، ومحاولتها توجيه اتجاهات ثورات الربيع العربي التي بدأت بمطالب مشروعة في دولها تونس ومصر وليبيا الا انه تم توجيهها لأغراض بعيدة كلية عن مصالح تلك الدول ، وحاولت " الدوحة " فرض " أجندتها " أو التي تدعمها باستضافة جماعات الاسلام السياسي والفارين من مصر تحديدا . وفي ظل هذا الآتون المشتعل داخل المنطقة العربية تراجع الاهتمام بقضية العرب الأولى القضية الفلسطينية نظرا للانشغال بالشئون التي استجدت داخل كل دولة عربية ، وأصبحت اهتمامات معظم هذه الدول إما ايجاد حلول لمشاكلها أو محاولة تجنب الدخول في " متاهات " ماتعرضت له الدول الأخرى ، فبات الاهتمام بالقضية الفلسطينية ضربا من الخيال في ظل هذا الوضع المتردي ، وتحولت القضية الى عبء يثقل كاهل الدول العربية ، وخفت الصوت ، وتراجع الضغط على اسرائيل . وغني عن القول إن الصراع والانقسام داخل البيت الفلسطيني وتزكية هذا الانقسام وسع هوة الخلافات العربية وساهم هو الأخر في زيادة الضغينة بين آقطار عربية تدعم هذا الطرف أو ذاك في ظل غياب الرؤية المشتركة وافتقاد التنسيق والعمل المشترك الذي كان متحققا في حده الأدنى قبل هذا الانقسام بين حكومة غزة ورام الله . والى جانب هذه الانشغالات تأتي محاولات تجنيب منطقة الخليج العربية ويلات هذا التشرذم والانقسام حيث استشعرت معظم الدول الخليجية هذا الخطر بعدما شهدته البحرين من محاولات " جذبها " الى دائرة ثورات الربيع العربي ، غير أن تدخل السعودية والامارات ودول الخليج الأخرى لحسم الصراع " المفتعل " حال دون اكتمال مخطط ادخال المنطقة برمتها في حالة الانقسام . ولعل اسراع السعودية والامارات والكويت والبحرين للاعتراف بثورة ٣٠ يونيو في مصر ومد يد العون للحكومة المصرية في هذا التوقيت ساهم في تجنيب مصر مخاطر وقوع الاقتصاد في حالة يصعب التنبؤ بها ، وساهمت السعودية في حركتها الدبلوماسية السريعة والنشطة في تلك الفترة في كبح جماح الدول الغربية التي كانت تتأهب للانقضاض على مصر لاعادة مسيرتها الى نقطة الصفر ، بل كان إقدام ثلاث من الدول الخليجية باستدعاء سفرائها لدى الدوحة ، سابقة تستهدف تحذير الدولة الخليجية من التمادي في مواقفها المعادية تجاه الخليج تحديدا والقضايا العربية بوجه عام ، بما يعبر عن استشعار هذه الدول خطرا حقيقيا محدقا بها وبدورها ، وهو الأمر الذي يشكل عقبة رئيسية أمام قادة الدول الخليجية تحديدا والدول العربية بصفة عامة خلال اجتماعات هذه القمة . وحل بذلك الدور الذي تلعبه الدول العربية الفاعلة ، محل الدور المنوط بجامعة الدول العربية التي كان ينبغي لها ومطلوبا منها أن تلعبه سواء في هذه المرحلة أو خلال الأزمات السابقة . ويبقى دور الدولة المضيفة لهذه القمة " الكويت " التي فضلت التريث في اتخاذ موقف مشابه لمواقف الرياض وأبوظبي والمنامة لاعتبارات عدة أهمها انعقاد القمة على أراضيها ورغبتها في انجاحها وأصبح مطلوبا منها باعتبارها رئيس القمة العربية في دورتها القادمة أن تحاول رأب تصدع العلاقات بين دول الخليج وقطر وبين الأخيرة والعديد من الدول العربية التي ماعادت تنظر الى الدوحة ك" شقيق " يحافظ على التضامن والعمل العربي المشترك . ومن المتوقع أن تشمل تلك الجهود تهدئة الأجواء بين مصر وقطر اللتين توترت العلاقة بينهما على نحو بالغ بعد عزل الرئيس السابق محمد مرسي من رئاسة مصر في يوليو الماضي. وفي الفناء الخلفي تأتي أدوار ايران وتركيا وتأثيرهما المباشر على قضايا المنطقة باعتبارهما لاعبان رئيسيان وكبيران لايمكن تجاهل مصالح كل منهما في هذه البقعة ، حيث يظهر ذلك جليا فيما يحدث في سوريا والعراق ولبنان تحديدا الى جانب مواقفهما مما حدث ويحدث في مصر على مدى ثلاث سنوات واهتمامهما بما يجري في فلسطين ومنطقة الخليج وتأثرهما أو تأثيراتهما فيه . ويخشى المحللون ان تؤثر هذه الاجواء التشاؤمية على الرغبة في احداث مصالحة بين هذه الأطراف بسبب حالة الاحتقان والتوجس من المواقف رغم التعابير التي لاتتوافق مع الواقع فى أكثر من موقع، وبين أكثر من عاصمة عربية . ويرى هؤلاء أنه حتى في حال الاتفاق على مصالحة عربية عربية بين الأطراف المتخاصمة فان نسيان المؤامرات التي تكشفت أبعادها وثبت تورط أطراف فيها ليس بالأمر اليسير . وتطرح هذه المواقف المتشابكة والقضايا الملتبسة التي تشهدها المنطقة العربية جملة من الاستفسارات حول مستقبل العمل العربي المشترك وأفاق عمل جامعة الدول العربية بعيدا عن الشعارات والاجتماعات التي ابتعد عن متابعتها المواطن العربي البسيط الذي أصبح يشاهد صورته وشقيقه في أدنى مستوياتها عبر الاف الشاشات ومواقع التواصل الاجتماعي من الخليج الى المحيط ولم تعد الصورة الذهنية عن اللاجيء الفلسطيني أو هي ماتستوقفه وتستثير عاطفته ، بعدما نظر الى جواره ليجد نفسه وشقيقه وشقيقته تحولوا جميعهم الى لاجئين ليس فقط في بلادهم وانما في معظم البلدان العربية .

اقرأ أيضاً