عاجل

د. خالد آل رحيم يكتب: المرأة بيْن الظلم والتكريم

لقد كانت المرأة قبْل الإسلام تُورث كما يُورث المتاع أو تستعبد، أو تُتخذ كعشيقة تُكره على الزواج أو البغاء، فكانت كائنًا غير مقبول في كثيرٍ مِن الأحيان؛ إلا إذا كانتْ أمة أو عشيقة، حتى إن أحد المجامع الروسية قرر: "أنها حيوان نَجِس، يجب عليه الخدمة فحسب، فهي ككلب عَقُور تُمنَع مِن الضحك -أيضًا-؛ لأنها أحبولة شيطان!".

وفي الجاهلية: كان يباح للوالد بيع ابنته، بل له حق قتلها ووأدها في مهدها، ثم لا قِصاص!

وعند اليهود إذا حاضت تكون نجسة تُنجس البيت، وكل ما تَمسُّه مِن طعامٍ أو إنسانٍ أو حيوانٍ، وبعضهم يطردها مِن بيته؛ لأنها نجسة! فإذا تطهَّرتْ عادت لبيتها، وكان بعضهم ينصب لها خيمة عند بابه، ويضع أمامها خبزًا وماءً كالدابة، ويجعلها فيها حتى تطهر!

وعند الهنود الوثنيين "عُبَّاد البقر": يجب على كل زوجة يموت زوجها أن يُحرق جسدها حية على جسد زوجها المحروق!

وعند بعض النصارى: أن المرأة ينبوع المعاصي وأصل السيئات، وهي للرجل باب مِن أبواب جهنم!

حتى جاء الإسلام؛ فرفع مكانتها وأعزها، وكُلفت كما كُلف الرجل، وأعطيتْ مِن الحقوق ما لم تُعطَ على مرِّ التاريخ الإنساني: مِن حق الحياة بعد أن كانت تدفن حية، ومِن حق الميراث بعد أن كانت هي بذاتها تُورث، ومِن حق اختيار الزوج بعد أن كانت تُجبر على ذلك، ويصير وكأن الزواج استرقاق لها، وأعطيتْ حق حضانة أطفالها بعد أن كانوا يُنزعون منها، وأخذتْ حق التملك والإجارة، والبيع والشراء، وسائر العقود، ولها حق التعلم والتعليم بما لا يخالف دينها.

ونهى الشرع عن ظلمها وضربها، وأمر تكليفًا وليس تشريفًا بحسن معاشرتها، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لاَ يَجْلِدُ أَحَدُكُمُ امْرَأَتَهُ جَلْدَ العَبْدِ، ثُمَّ يُجَامِعُهَا فِي آخِرِ اليَوْمِ) (متفق عليه).

وسميتْ في القرآن سورة باسمها: "سورة النساء"، وصدَّق الله -تعالى- على قول امرأة، وهي "بلقيس"، لما قالتْ: (إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً) (النمل:34)، قال الله -تعالى- مصدِّقًا لقولها: (وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ) (النمل:35).

وضرب الله -تعالى- بامرأة وهي "أسيا" مثلاً للمؤمنين، فقال: (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) (التحريم:11).

وضرب الله ًبامرأة وهي "مريم" ابنة عمران مثلاً للقانتين، فقال: (وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنْ الْقَانِتِينَ) (التحريم:12).

والمرأة وهي أم سلمة -رضي الله عنها- استشارها النبي -صلى الله عليه وسلم- يوم صلح الحديبية، وأخذ بمشورتها، وأجار -صلى الله عليه وسلم- مَن أجارتْ "أم هانئ" -رضي الله عنها-، وبايعهن -صلى الله عليه وسلم- كما بايع الرجال دون مصافحة.

فهذه مكانة المرأة في الإسلام، والأمثلة كثيرة، والذي دعانا للحديث الآن عن المرأة: أننا رأينا الكثير يهمل هذا الجانب في الاعتناء بتكريم المرأة وإعطائها حقها الذي أعطاها الله -تعالى-، فقد ظـُلِمت المرأة ظلمًا شنيعًا حتى جاء الإسلام "وأنصفها".

ولكن -للأسف- لم ينصفها بعض المنتسبين للإسلام، ولم يأخذوا بنصيحة رسولهم -صلى الله عليه وسلم- لما قال: (أَلَا وَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا، فَإِنَّمَا هُنَّ عَوَانٍ عِنْدَكُمْ) (رواه الترمذي، وحسنه الألباني)، في الوقت الذي يعمل أعداء الله على إخراجها مِن بوتقة الإسلام إلى العري والفجور والفسوق؛ بتزيينهم لها زخارف الحياة الفانية والملذات الزائلة!

فالإسلام شرع لها حقوقًا في كتاب الله وفي سُنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- لا بد أن تُعطاها ولا تُحرم منها؛ حتى لا تكون فريسة لمطامع شرق أو غرب.