عاجل

ثلاث قوى سياسية تتنازع الانتخابات الرئاسية الإيرانية

حمل مشهد المرشحين المتقدمين رسمياً بطلب الترشح للوصول إلى كرسي الرئاسة في إيران في يومه الأخير، الكثير من المفاجآت، بعد أن حسم هاشمي رفسنجاني قرار ترشحه في اللحظة الأخيرة، وكذلك خليفة أحمدي نجاد، اسفنديار رحيم مشائي، الذي لم يقم بإدراج اسمه إلا قبل انتهاء المهلة القانونية للتسجيل بقليل. كان رفسنجاني أعلن قبل أيام أنه لن يترشح إذا لم يحصل علي موافقة خامنئي، في إشارة واضحة على تأييد المرشد الإيراني لمرشح بعينه، باعتباره مشروعاً للوحدة الوطنية, وانعكس ترشح رفسنجاني تحسناً في سعر العملة الإيرانية (الريال) علي رغم إقفال الأسواق، ما يوحي بأن فوزه سيساهم في إعادة ترتيب الأوضاع الاقتصادية، في بلد يعاني مشاكل متعددة بسبب العقوبات الأمريكية والأوروبية. أما رحيم مشائي حليف نجاد، ربما يواجه مشكلة قبول مجلس صيانة الدستور شرعية ترشحه، لا سيما أن خامنئي طلب من نجاد بعد انتخابات 2009 استبعاد مشائي بعدما عينه نائباً له، في ضوء إتهامه من قبل متشددين مقربين إلى المرشد بأنه يقود "تياراً منحرفاً" يسعى إلى تقويض نظام ولاية الفقيه. ومع قيام كل من رفسنجاني ومشائي بإدراج اسمه على قائمة الترشح، أصبح بالإمكان القول بأن معالم الخريطة الانتخابية الإيرانية أصبحت تتوزع بين ثلاث قوى رئيسية: الفريق الأول ويتألف من الإصلاحيين والمعتدلين الداعمين لرفسنجاني. أما الفريق الثاني فيحتوي على جماعة "البهاريون"، وهي مجموعة من الشباب الداعمين لسياسة مشائي الليبرالية في مجالات الثقافة والمجتمع، والذين يتخذون من مقولة "عاش الربيع" شعارا لهم. كما يضم هذا الفريق أيضا عددا من أصوات الناخبين الريفيين الفقراء الذين يتلقون معونات حكومية. وبالنسبة للفريق الثالث فيتشكل من المحافظين الموالين لآية الله خامنئي ومن بينهم المتشددون الذين يمثلون معظم مكوناته. توزيع أصوات مؤيدي خامنئي: وعند تحليل المشهد الإيراني يتضح أن مؤيدي خامنئي ستتوزع أصواتهم على عدد كبير من المرشحين، لذلك عليهم توحيد الصف والوقوف خلف مرشح واحد فقط لكي يتمكنوا من منافسة كل من رفسنجاني ومشائي بقوة. كما أن بإمكان كل من رفسنجاني ومشائي الاستفادة من وعودهما بتغيير الواقع الإيراني الراهن والذي يعتبر الأسوأ سياسيا واقتصاديا في التاريخ الإيراني الحديث. فضلاً عن ذلك، فإن أكثر المرشحين المنتمين إلى معسكر المحافظين بأطيافه المختلفة، عادة ما ترتبط بعلاقة قوية أو حتى خاصة مع المرشد، فمنهم من يعمل فى هيئة مستشاريه مثل على أكبر ولاياتى وغلام على حداد عادل، أو اختاره المرشد ممثلا له فى مؤسسة مهمة كعلى لاريجانى ممثله فى المجلس الأعلى للأمن القومى، أو تتلمذ على يديه مثل محمد باقر قاليباف، أو تلقى منه دعما قويا كوزير الاستخبارات حيدر مصلحى الذى أقاله نجاد فأعاده خامنئى. ومع ذلك فإنه مع تثبيت هذا القاسم المشترك، لابد من المفاضلة بين المرشحين وفق اعتبارات أخرى، وكمثال فإن محسن رضائى قائد الحرس السابق ونائب رئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام حاليا فرصه ضعيفة فى المكسب خاصة وقد ترشح عام 2005 وانسحب وترشح عام 2009 وفشل، كما أن شخصا مثلا مصطفى بورمحمدى وزير الداخلية قد لا يكون رجل المرحلة سواء لخلفيته الأمنية أو لضعف خبرته الدولية، وثمة ضعف مماثل لدى محمد رضا باهنر نائب رئيس الشورى وشقيق ثانى رؤساء الوزراء الإيرانيين. ومع أن على لاريجانى فاوض الغرب إلا أن أداءه تعرض لنقد لاذع لأنه لم يحل دون تعرض بلاده لعقوبات دولية، وفى هذا السياق يبرز اسما على أكبر ولاياتى ومنوشهر متقى باعتبارهما من الأسماء التى يمكن الرهان عليها، فمع أن ولاياتى صدرت بحقه مذكرة توقيف دولية (ومثله محسن رضائى ووزير الاستخبارات السابق على فلاحيان) إلا أنه قاد السياسة الخارجية الإيرانية أثناء الحرب مع العراق ثم خلال فترة الإعمار، أما مسألة مذكرة التوقيف هذه فإنها مجرد ورقة ضغط لن تشهر إلا عند الضرورة، وفى مرتبة تالية يأتى متقى الذى أدار السياسة الخارجية لمدة الخمس سنوات الأولى من حكم نجاد وانقلبت فيها إيران على سياسة خاتمى داعية الحوار الحضارى، لكنها ظلت صلبة لا تكسر فى مواجهة التحديات. جدير بالذكر أن العدد الإجمالي للمرشحين في الانتخابات الرئاسية في إيران قد بلغ 686 مرشحا، من بينهم 37 مرشحا يمكن تصنيفهم على أنهم سياسيون معروفون والباقي غير معروفين، كما بلغ عدد النساء اللواتي ترشحن 30 سيدة فقط، وسيتم تسليم أوراق التسجيل إلى مجلس صيانة الدستور ليتمكن من اختيار المرشحين المقبولين خلال 5 أيام، تضاف إليها 5 أيام أخرى للاستئناف، وابتداءً من يوم 23 مايو سيكون بإمكان المرشحين الذين قبلت طلباتهم البدء رسميا في حملاتهم الانتخابية. ترقب دولي للرئيس الجديد: ؟وأياً كانت النتائج التي ستؤول إليها نتائج انتخابات الرئاسة المقررة في 14 يونيو المقبل، فإن ثمة دول إقليمية ودولية تترقب السياسة التي سينتهجها الرئيس الجديد، إذ تتهم هذه الدول إيران بالتمدد والتدخل في قضايا عربية وإقليمية، فيما تنتظر الدول الست المعنية بالملف النووي الإيراني (الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن وألمانيا)، الرئيس الجديد لمعاودة المحادثات على أسس جديدة، علها تستطيع التوصل معه إلى تسوية للملف النووي وحل المشاكل العالقة مع طهران. ولا شك في أن هذه الاستحقاقات تجعل الانتخابات من أكثرها أهمية خلال العقود الثلاثة الماضية، خصوصاً في ظل الظروف الاقتصادية في الداخل والوضع المتفجر إقليمياً، على خلفية الحرب في سورية، لما لها من تأثير في ملفات إيرانية، داخلياً وخارجياً. وكان الوضع الاقتصادي الأكثر أهمية بالنسبة إلى الإيرانيين، خصوصاً أن نجاد نفذ برنامجاً اقتصادياً طموحاً ألغى الدعم الحكومي على سلع وبضائع مقدمة للمواطنين وقد أجمع المرشحون المحتملون للرئاسة على جديتهم في معالجة المشكلات الاقتصادية، لكن ليس معروفاً كيف يمكن ذلك في ظل العقوبات الغربية التي تضغط على العائلات الإيرانية في شكل مباشر وغير مباشر، إذ إن برامج المرشحين لم تتطرق إلى حلول واضحة، بل اقتصرت على شعارات وخطوط عريضة لا يُشتم منها رائحة التخصص والأرقام والبرامج القادرة على معالجة ارتفاع الأسعار والتضخم والبطالة. وعلى الصعيد الدولي، يبقى الملف النووي الأكثر حساسية بالنسبة إلى ايران، باعتباره النقطة التي تتركز عليها جميع الاعتبارات، وإذا كان صحيحاً أن الملف في يد مرشد الجمهورية الإسلامية علي خامنئي، لكن الصحيح أيضاً أن سياسة رئيس الجمهورية، بوصفه رئيس المجلس الأعلى للأمن القومي، تساهم إلى حد بعيد في بلورة المواقف النهائية، إذ ظهر ذلك واضحاً في المواقف التي اتخذتها الحكومات السابقة، وآلية تعاطيها مع الملف، والتي نجحت إلى حد ما في إبعاده من أروقة مجلس الأمن. ولا شك في أن إغلاق الملف النووي وإعادته إلى الوكالة الدولية للطاقة الذرية، عملية معقدة، وليس معروفاً ما ستطلبه الدول الكبرى، وتحديداً الولايات المتحدة، من إيران على المستويين الإقليمي والدولي، وبما ينسجم مع السياسة الأمريكية في المنطقة.وفي ضوء ذلك، سوف تصبح مهمة الرئيس الإيراني الجديد شاقة وذات إشكاليات معقدة.