عاجل

كواليس الأيام الأخيرة قبل عزل مرسي

مع اقتراب يوم 30 يونيو اشتعل الصراع بين القوي السياسية، وازداد انقسام الشارع المصري إلي فريقين إحداهما مؤيد للرئيس والآخر معارض له، وأخذ كل فريق في حشد أنصاره للمواجهة في يوم 30 يونيو، وقام كل طرف بإظهار قوته من خلال الدعوة إلي عدد من المليونيات استعدادا ليوم الحسم. وفي الوقت ذاته تسابقت بعض القوي السياسية والجيش لطرح مبادرات لحل الأزمة وإيجاد مخرج يرضي جميع الأطراف، ولكن كل المبادرات قوبلت بالرفض من جانب مؤسسة الرئاسة. وبعد الإعلان عن مليونية "لا للعنف" يوم 21 يونيو التي دعت إليها القوي الإسلامية المؤيدة للدكتور محمد مرسي زار وفد من مكتب الإرشاد ضم محمود عزت ومحمود حسنين ومحمود غزلان وحسين إبراهيم مقر الدعوة السلفية بالإسكندرية والتقوا عدد من قيادات الدعوة وهم الشيخ محمد عبد الفتاح (أبو إدريس) رئيس مجلس الدعوة السلفية والدكتور ياسر برهامي والمهندس عبد المنعم الشحات والمهندس جلال مرة، في محاوله منهم لإثناء الدعوة وذراعها السياسي حزب النور عن قرارهما بعدم المشاركة في هذه الفعاليات. وقامت الدعوة السلفية بطرح خريطة لحل الأزمة تتلخص في الاعتراف بخطورة الموقف، وأن الموازين تغيرت؛ وأن الأمر صار خطيرًا لا يمكن تجاوزه إلا بحلول تناسب الموقف. وطالبت الدعوة قيادات الإخوان بالموافقة على حزمة حلول حقيقية للأزمات التي تراكمت، يمكن من خلالها استعادة القواعد الشعبية التي لم تخرج اعتراضًا على الإسلام أو الشريعة أو حتى الإخوان؛ وإنما أخرجهم اليأس والإحباط بسبب تكرار الأزمات التى لا تلوح في الأفق حلول لها. وكان رد فعل قيادات الإخوان غير متوقع حيث ظهر أنهم شبه مغيبين عن الواقع؛ وكان ردهم أن حركة "تمرد" التي أحدثت هذا الحراك لم يوقّع لها على مستوى الجمهورية إلا 150 ألفًا فقط، ولن يخرج في 30يونيو إلا 5% منهم، أي من خمسة إلى سبعة آلاف فقط. وقالت قيادات الإخوان للدعوة السلفية لا تشغلوا بالكم، فنحن لم نأتكم من أجل 30 يونيو؛ وإنما من أجل التواصل فقط، فأصاب قيادات الدعوة إحباط ويأس من الوصول إلى حلول حقيقية للأزمات. وقامت الدعوة بتسليم قيادات الإخوان نصائحها التي ببلورة رؤيتها للأزمة في عدة نصائح أهمها عدم إظهار التحدي للمعارضة بإعلان حركة المحافظين، ومراجعة التعيينات التي تمت على أساس الثقة، واستيعاب القوى السياسية الوطنية من خلال تشكيل حكومة تكنوقراط.. وانتهي اللقاء بدون الوصول إلي حل. ومع اقتراب فعاليات 30 يونيو قام الرئيس محمد مرسي بالإعلان عن خطاب للأمة يوم 28 لتوضيح موقف الرئاسة مما يحدث وانتظر الشارع المصري أن يقدم الرئيس حلولا للأزمة الراهنة تهدأ من روع الشارع المصري الذي بدأ يشعر بالضيق من استمرار الأزمات وصعوبة الحصول علي السلع الضرورية خاصة البنزين الذي وصلت الأزمة فيه إلي زروتها. وكانت جموع الشعب المصري تنتظر من الرئيس أن يشعرهم أنه يشعر بآلامهم وأحزانهم ومشاكلهم وأنه سيستجيب لطلباتهم والتي كانت أبسطها إقالة الحكومة الضعيفة والعاجزة علي تلبية احتياجات الشعب المصري وتطلعاته خاصة بعد ثورة 25 يناير. وهذه الخطوة لو فعلها الرئيس لكانت كفيلة بتهدئة جزء كبير من الشعب المصري الغاضب، وحل جزء كبير من الأزمة ولكن الرئيس فاجأ الجميع بإصراره علي استمرار حكومة الدكتور هشام قنديل وعدم تقديم أي تنازلات مما زاد من حالة الاحتقان في الشارع المصري وأعطي المعارضة القوة في الحشد لمليونية 30 يونيو مستغليين تفاقم الأزمات الاقتصادية. وفي يوم 29 يونيو دعا الدكتور محمد مرسي القوى السياسية إلى حوار لاستطلاع رأيهم في أحداث 30 يونيو وماذا يتوقعون، وحضر عدد قيادات الأحزاب السياسية أبرزهم الدكتور سعد الكتاتني رئيس حزب الحرية والعدالة والمهندس جلال مرة أمين النور والمهندس أبو العلا ماضي رئيس حزب الوسط، وعدد من الشخصيات السياسية. وفي بداية الاجتماع قام الرئيس محمد مرسي بإخراج ورقة من جيبه وعرضها علي الحضور قائلا لهم: هذه مبادرة للجيش أرسلها الفريق عبد الفتاح السيسي للخروج من الأزمة، وكانت بنودها قريبة من بنود مبادرة حزب "النور" التي تقضي بـ"تغيير الحكومة، وتغيير نائب عام جديد، وإجراء انتخابات برلمانية نزيهة ونحو ذلك". وكانت المفاجأة الكبرى في رد فعل قادة الأحزاب الإسلامية إذ قالوا: "إن الشعب معنا، وإن خطاب الرئيس كان له أثر كبير في إقناع القواعد الشعبية وتعاطفها معنا"، ، وستكون 30 يونيو زوبعة وتمر كما مر ما سبقها من مليونيات دعت إليها المعارضة، خاصة أنها دعت إلى ٢٤ مليونية قبل ذلك ولم تجد شيئًا، وستكون هذه هي الخامسة والعشرون. وأعلن الكتاتني رفضه للمبادرة قائلا فعاليات 30 يونيو سيشارك فيها شوية عيال لن يتعدوا الـ خمسة آلاف شخص وهيروحوا قبل الساعة 11 مساء!. واتفق معه أبو العلا ماضي في رفض المبادرة رافضا تدخل الجيش في الحياة السياسية مشيرا إلي أنه إذا تمت الموافقة علي هذه المبادرة فستفتح باب من التنازلات لن ينتهي، ولن يتوقف الأمر عند هذا الحد. ورغم رفض معظم القوي السياسية المشاركة في الحوار للمبادرة فإن المهندس جلال مرة أمين حزب النور كان له رأي آخر حيث طالب الرئيس بالموافقة علي المبادرة وتقديم بعض التنازلات محذرهم من مغبة الكبر والعناد مؤكدا لهم أن هناك سخط شعبي ويجب احتوائه قبل أن تتفاقم الأمور،مشددا علي ضرورة الاستجابة لصوت العقل والتوافق على رؤية للخروج من الأزمة، بالمشاركة الحقيقية؛ لتوسيع دائرة تحمل المسئولية. ولكن الرئيس مرسي لم ينحاز لصوت العقل وفضل الموجهة مع الشعب ورفض المبادرة. وفي يوم 30 يونيو خرجت مظاهرات حاشدة تطالب برحيل الدكتور محمد مرسي والدعوة إلي انتخابات رئاسية مبكرة، وقام الجيش بتحذير القوي السياسية ومؤسسة الرئاسة وأمهلهم 48 ساعة لحل الأزمة وإلا سيقوم بوضع خارطة طريق للخروج من الأزمة تحت رعاية القوات المسلحة، وتواصل أمين حزب النور في ذلك اليوم بالإخوان ومؤسسة الرئاسة وكان تقييم الإخوان للموقف أن جميع من خرج في ميادين مصر من المعارضة لا يعادل ربع أو نصف من خرج في رابعة العدوية، وكان جواب مؤسسة الرئاسة أن الأمر تحت السيطرة، وأن الرئيس سيصدر بيان صحفى من الرئاسة لا ليطرح حلولاً؛ وإنما ليصف الموقف على الأرض من وجهة نظر الرئاسة فقط؛ ليطمئن الشعب الموالي للرئاسة بأن الأمر تحت السيطرة. وقام حزب النور بالتواصل مع بعض الأحزاب الموالية للرئيس، فقال أحدهم: لقد أرسلنا بعض شبابنا إلى التحرير، فوجدنا أن غالبيتهم أطفال شوارع ومأجورون، وبمجرد انتهاء "اليومية" التي أخذوا عليها الأجرة فسوف ينصرفون الساعة العاشرة أو العاشرة والنصف مساء. وقام حزب النور بعقد اجتماع طارئ لتحديد موقفه من تصريحات السيسي ومدي جديتها، وقام بإصدار بيان طالب فيه الرئيس محمد مرسي بالدعوة إلي انتخابات رئاسية مبكرة، حلا للأزمة والحفاظ علي مكتسبات الثورة وأهمها الحفاظ علي الدستور إلا أن الرئيس لم يستجب إلي هذا المطلب واعتبره تدخل غير مقبول من الجيش. وقام مرسي بإلقاء خطابه الأخير الذي أكد فيه علي الشرعية وأن دمه فداء لهذه الشرعية، وأعلن عن قبوله لعدد من مبادرات القوي السياسية ولكن بعد فوات الأوان. ومع اقتراب نهاية مهلة الـ 48 ساعة دعا الفريق السيسي عدد من القوي السياسية من بينها الدكتور سعد الكتاتني الذي اعتذر عن الحضور، والمهندس جلال مرة أمين النور والدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر، والبابا تواضروس بطريرك الكنيسة المصرية والدكتور محمد البرادعي ممثل عن القوي المدنية وممثلين عن حركة تمرد، وفي هذه الأثناء قامت القوات المسلحة بتحديد إقامة الدكتور محمد مرسي وعزله عن العالم الخارجي وتعيين المستشار رئيسا مؤقتا للبلاد وإعلان خريطة طريق لإدارة البلاد.

اقرأ أيضاً