عاجل

"المواد الكاوية" كلمة السر.. في انهيار العقارات بمصر

مواد البناء

لم يعر "خالد عبدالغفار" 40 عامًا، يقطن في قرية "دمرو" بمحافظة المحلة الكبرى، الشقوق الكثيرة التي ظهرت في حوائط وسقف منزله انتباهًا، رغم أن نفس الحال تكررت عند كثير من جيرانه، فاعتبره الجميع مجرد شروخ بحكم الزمن وعوامل الطبيعة، لم يكن يتوقع أحد بأن كارثة على وشك الحدوث.


مرّ نحو شهر وسقط العقار المكون من ثلاثة أدوار بأكمله، وتشرد مايقرب من 6 أسر، وأنقذت الحماية المدنية السكان فلم ينتج عن الحادث أي وفيات أو إصابات، إلا أن تحقيقات النيابة العامة، كشفت سبب سقوط العقار باستخدام أسمنت مغشوش في بنائه، بعدما أرسلت أجزاء منه إلى المعمل الجنائي لفحصها بحسب "خالد". 


يقول الرجل: "فيه نوع من الأسمنت مغشوش،بيتحط عليه مواد بيضة وكيمائية عشان يزيد، بيتسبب في تصدع أسقف وخرسانة المنازل، وكمان الحديد المستخدم بيكون مصدي وقديم".


مضيفا : "المفروض كنا نقدم شكوى ونرفع قضية عشان ناخد تعويض مناسب للي حصل، إحنا اتشردنا وأغلبنا قعد عند قرايبه، أو في المقابر وعشش فوق السطوح بسبب سقوط العقار".


خالد وجيرانه، هم ضحايا ضمن كثيرون للأسمنت المغشوش الذي يباع في الأسواق العادية حاليًا، ولا يمكن تفريقه عن الأسمنت السليم سوى بالفحص والكشف، لاسيما مع استخدام بعض المقاولين مواد بيضاء لزيادته والتي تضر بقوته وقوامه.


اتساقًا مع ذلك، فحذر اتحاد التشييد والبناء، من أن ضعف الرقابة على الأسواق سيرفع أسعار مُدخلات البناء والتشييد والغش فيها، بنسبة لن تقل عن 25%، عقب الزيادة الأخيرة في أسعار المحروقات، رغم أن النسبة الحقيقية لتأثر تلك العناصر بزيادة الوقود، لا تتخطى بين الـ 5 والـ7%.


قبل فترة من تحذير اتحاد التشيد والبناء، سقط عقار في منطقة إمبابة مكون من خمسة أدوار، وأسفر عن وفاه ثلاثة من السكان وإصابة 4 أخرون، وكشفت المعاينة الأولية أن العقار غير مرخص، وصدر له قرارا إزالة في عام 2004، وأن هناك مواد بناء مغشوشة استخدمت في بناؤه.


حالة "خالد" ليست الأولى فهناك "مروان" 25 عامًا، يقطن في منطقة السيدة زينب، التابعة لمحافظة القاهرة، ويعمل محاميًا، وتعرض العقار الذي يقطن فيه إلى الانهيار بأدواره الأربعة، بعدما ظل فترة طويلة مائلا.


يوضح أن السكان قدموا شكاوى عدة إلى رئاسة الحي للكشف على العقار وترميمه، إلا أن صاحب العقار رفض الاستجابة لمطالبهم، حتى انهار العقار في فجر أحد الأيام، وقام السكان برفع قضية على صاحب المنزل.


يؤكد المحامي مروان أحد السكان، أنه تولاها ولازالت تنظر في المحكمة، إلا أن تحقيقات النيابة العامة كشفت أن مواد البناء التي استخدمت في العقار مغشوشة، ومُضاف عليها مواد أخرى مجهولة.


وشهدت محافظتا القاهرة والجيزة، خلال الـ٤٨ ساعة الماضية، حادثى انهيار عقارين سكنيين، واللذين أسفرا عن مصرع وإصابة ٩ أشخاص فى انهيار عقار بإمبابة، وأنقذت العناية الإلهية حياة ٢٢ شخصًا فى انهيار عقار بالخليفة، بعدما تدخلت الأجهزة الأمنية بالتعاون مع رئاسة الحى وقاموا بإخلاء المنزل قبل انهياره بـ١٢ ساعة.


الأرقام الرسمية للمركز القومي لبحوث الإسكان والبناء بمصر، تقول أن الأعوام الثلاثة الأخيرة ارتفعت وتيرة حوادث انهيار العقارات، في آخر ديسمبر 2016، تم تسجيل 661 حادث انهيار عقار في 26 محافظة وفقًا للأقاليم الجغرافية المعتمدة في التقرير.


وتم تسجيل 130واقعة انهيار للعقارات في عام 2014، وما يقرب من 306 واقعة انهيار في عام 2015، ونحو 225 واقعة انهيار في عام 2016، وذلك عبر 181 دائرة قسم شرطة مختلفة.


وكانت الإسكندرية في مقدمة المحافظات من حيث عدد العقارات المنهارة، بلغت عدد العقارات المنهارة بها 184 واقعة انهيار عقار من أصل 274 واقعة شهدتها المحافظات المركزية، 190 في محافظات الصعيد، 156 في محافظات الدلتا،25 في مدن القناة، و16 واقعة في المحافظات الحدودية.


واحتلت نسبة غش مواد البناء النسبة الأكبر في أسباب الانهيار، والتي بلغت 69%، و31% فقط تنوعت بين المياه الجوفية أو تهالك العقار، أو بسبب أعمال هدم وإنشاء قريبة.


أكد كامل عبدالله، الخبير العقاري، أن النسبة الأكبر لانهيار العقارات في مصر يعود إلى غش مواد البناء وقت الإنشاء، موضحًا أن السبب الرئيسي هو غياب الرقابة على المهندسين وشركات الأسمنت.


ويوضح أنه يتم خلط أسمنت المحارة مع أسمنت الخرسانة دون التفريق بينهم، مع إضافة بعض مواد البناء التي تزيد من حجمه من أجل إسراع عملية البناء، مشيرًا إلى أن الفترة القادمة ستزيد معدلات الغش في حال ارتفاع سعر مواد البناء.


ومن أكثر النماذج دلالة على ذلك، محافظة دمياط التي انهار بها وحدها20 عقار خلال عامين، بسبب أن الإسمنت الذي استخدم في بناء المنازل المتصدعة، تزيد فيه المواد الكاوية على النسب الطبيعية، التي نص عليها الكود المصري لتصميم وتنفيذ المنشآت الخرسانية بزيادة متوسطها حوالى 15 ضعفا المسموح به، بحسب تقرير وزارة الإسكان وقتها.